فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج ابن عدي وابن عساكر عن أبي الحلة قال: رأيت امرأة لوط قد مسخت حجرًا تحيض عند كل رأس شهر.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها} قال: لما أصبحوا عدا جبريل على قريتهم فنقلها من أركانها، ثم أدخل جناحه، ثم حملها على خوافي جناحيه بما فيها، ثم صعد بها إلى السماء حتى سمع أهل السماء نباح كلابهم، ثم قلبها فكان أول ما سقط منها سرادقها، فلم يصب قومًا ما أصابهم إن الله طمس على أعينهم، ثم قلب قريتهم وأمطر عليهم حجارة من سجيل.
وأخرج ابن جرير عن السدي رضي الله عنه قال: لما اصبحوا نزل جبريل عليه السلام فاقتلع الأرض من سبع أرضين، فحملها حتى بلغ السماء الدنيا، ثم أهوى بها جبريل إلى الأرض.
وأخرج عبد بن حميد عن أبي صالح. أن جبريل عليه السلام أتى قرية لوط فأدخل يده تحت القرية، ثم رفعها حتى سمع أهل السماء الدنيا نباح الكلاب وأصوات الدياك، وأمطر الله عليهم الكبريت والنار.
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن رضي الله عنه. أن جبريل عليه السلام اجتث مدينة قوم لوط من الأرض، ثم رفعها بجناحه حتى بلغ بها حيث شاء الله، ثم جعل عاليها سافلها.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي رضي الله عنه قال: حدثت أن الله تعالى بعث جبريل عليه السلام إلى المؤتفكة، مؤتفكة قوم لوط فاحتملها بجناحه، ثم صعد بها حتى أن أهل السماء ليسمعون نباح كلابهم وأصوات دجاجهم، ثم اتبعها الله بالحجارة يقول الله تعالى: {جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل} فأهلكها الله ومن حولها من المؤتفكات، فكن خمسًا صنعة وصغرة وعصرة ودومًا وسدوم، وهي القرية العظمى.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه قال: ذكر لنا أنها ثلاث قرى فيها من العدد ما شاء الله أن يكون من الكثرة، ذكر لنا أنه كان منها أربعة آلاف ألف، وهي سدوم قرية بين المدينة والشام.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {حجارة من سجيل} قال: من طين. وفي قوله: {مسوّمة} قال: السوم بياض في حمرة.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {حجارة من سجيل} قال: هي بالفارسية سنك وكل حجر وطين. وفي قوله: {مسوّمة} قال: معلمة.
وأخرج الفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {حجارة من سجيل} قال: بالفارسية أوّلها حجارة وآخرها طين. وفي قوله: {مسوّمة} قال: معلمة.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد رضي الله عنه: {حجارة من سجيل} قال: هي كلمة أعجمية عربت سنك وكل.
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس رضي الله عنهما: {حجارة من سجيل} قال: حجارة فيها طين.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: {حجارة من سجيل} قال: من طين: {منضود} مصفوفة: {مسوّمة} مطوّقة بها نصح من حمرة: {وما هي من الظالمين ببعيد} لم يبرأ منها ظالم بعدهم.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الربيع رضي الله عنه في قوله: {منضود} قال: قد نضد بعضه على بعض. وفي قوله: {مسوّمة} قال: عليها سيما خطوط صفر.
وأخرج أبو الشيخ عن ابن جريج رضي الله عنه قال: حجارة مسوّمة لا تشاكل حجارة الأرض.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله: {حجارة من سجيل} قال: السماء الدنيا، والسماء الدنيا اسمها سجيل.
وأخرج ابن شيبة عن ابن سابط رضي الله عنه في قوله: {حجارة من سجل} قال: هي بالفارسية.
وأخرج إسحق بن بشر وابن عساكر عن مجاهد رضي الله عنه. أنه سأل هل بقي من قوم لوط أحد؟ قال: لا، إلا رجل بقي أربعين يومًا، كان تاجرًا بمكة فجاءه حجر ليصيبه في الحرم، فقامت إليه ملائكة الحرم فقالوا للحجر رجع من حيث جئت فإن الرجل في حرم الله. فرجع الحجر فوقف خارجًا من الحرم أربعين يومًا بين السماء والأرض حتى قضى الرجل تجارته، فلما خرج أصابه الحجر خارجًا من الحرم. يقول الله: {ما هي من الظالمين ببعيد} يعني من ظالمي هذه الأمة ببعيد.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {وما هي من الظالمين ببعيد} قال: يرهب بها قريشًا أن يصيبهم ما أصاب القوم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه: {وما هي من الظالمين ببعيد} يقول: من ظلمة العرب إن لم يؤمنوا أن يعذبوا بها.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الربيع في الآية قال: كل ظالم فيما سمعنا قد جعل بحذائه حجر ينتظر متى يؤمر أن يقع به، فخوف الظلمة فقال: وما هي من الظالمين ببعيد.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه: {وما هي من الظالمين ببعيد} قال: من ظالمي هذه الأمة، ثم يقول: والله ما أجار الله منها ظالمًا بعد.
وأخرج ابن أبي الدنيا في ذم الملاهي وابن المنذر والبيهقي في شعب الإِيمان عن محمد بن المنكدر ويزيد بن حفصة وصفوان بن سليم. أن خالد بن الوليد كتب إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قد وجد رجلًا في بعض نواحي العرب ينكح كما كانت تنكح المرأة، وقامت عليه بذلك البينة، فاستشار أبو بكر رضي الله أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: إن هذا ذنب لم يعص الله به أمة من الأمم إلا أمة واحدة، فصنع الله بها ما قد علمتم، أرى أن تحرقه بالنار. فاجتمع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على أن يحرقوه بالنار، فكتب أبو بكر رضي الله عنه إلى خالد رضي الله عنه أن احرقه بالنار، ثم حرقهم ابن الزبير رضي الله عنه في إمارته، ثم حرقهم هشام بن عبد الملك.
وأخرج ابن المنذر عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن الرأي قال: عذب الله قوم لوط فرماهم بحجارة من سجيل، فلا ترفع تلك العقوبة عمن عمل عمل قوم لوط. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ} قوله تعالى: {فَأَسْرِ}: قرأ نافع وابن كثير: {فاسْرِ بأهلك} هنا وفي الحجر، وفي الدخان: {فَأَسْرِ بِعِبَادِي} [الآية: 23]، وقوله: {أَنْ أَسْرِ} [الآية: 77] في طه والشعراء، جميع ذلك بهمزة الوصل تسقط دَرْجًا وتَثْبُتُ مكسورة ابتداءً. والباقون: {فَأَسْر} بهمزة القطع تثبت مفتوحة دَرْجًا وابتداء، والقراءتان مأخوذتان من لُغَتي هذا الفعل فإنه يُقال: سَرَى، ومنه: {والليل إِذَا يَسْرِ} [الفجر: 4]، وأَسْرى، ومنه: {سُبْحَانَ الذي أسرى} [الإسراء: 1] وهل هما بمعنى واحدٍ أو بينهما فرقٌ؟ خلافٌ مشهور. فقيل: هما بمعنى واحدٍ، وهو قول أبي عبيد. وقيل: بل أَسْرى لأولِ الليل، وسَرَى لآخره، وهو قولُ الليث، وأمَّا سار فمختص بالنهار، وليس مقلوبًا مِنْ سَرى.
قوله: {بِأَهْلِكَ} يجوز أَنْ تكونَ الباءُ للتعدية، وأن تكونَ للحال أي: مصاحبًا لهم. وقوله: {بقِطْعٍ} حال من {أهلك} أي: مصاحبين لقِطْع، على أن المرادَ به الظلمة. وقيل: الباء بمعنى {في}. والقِطْع هنا نصف الليل، لأنه قطعةٌ منه مساويةٌ لباقيه، وأنشدوا:
ونائحةٍ تَنُوْحُ بقِطْعِ ليلِ ** على رَجُلٍ بقارعةِ الصعيد

وقد تقدَّم الكلامُ على القِطْع في يونس بأشبع من هذا.
قوله: {إِلاَّ امرأتك} ابن كثير وأبو عمرو برفع {امرأتك} والباقون بنصبها. وفي هذه الآية الكريمة كلامٌ كثيرٌ لابد من استيفائه. أمَّا قراءة الرفع ففيها وجهان، أشهرُهما عند المعربين: أنَّه على البدل من {أحد} وهو أحسن من النصب، لأنَّ الكلام غيرُ موجَب. وهذا الوجهُ قد رَدَّه أبو عبيد بأنه يَلْزَمُ منه أنهم نُهوا عن الالتفات إلا المرأة، فإنها لم تُنْهَ عنه، وهذا لا يجوزُ، ولو كان الكلامُ {ولا يلتفت} برفع {يلتفت} يعني على أنْ تكونَ لا نافيةً، فيكون الكلام خبرًا عنهم بأنهم لم يَلْتفتوا إلا امرأته فإنها تلتفت، لكان الاستثناء بالبدلية واضحًا، لكنه لم يقرأ برفع {يلتفت} أحد.
وقد استحسن ابنُ عطيةَ هذا الإِلزامَ من أبي عبيد، وقال: إنه وارِدٌ على القول باستثناءِ المرأة من أحد سواءً رَفَعْتَ المرأة أو نَصَبْتها. قلت: وهذا صحيحٌ، فإن أبا عبيد لم يُرِد الرفعَ لخصوصِ كونه رفعًا، بل لفسادِ المعنى، وفسادُ المعنى دائر مع الاستثناء من {أحد}، وأبو عبيد يُخَرِّج النصبَ على الاستثناء من {بأهلك}، ولكنه يَلْزم من ذلك إبطالُ قراءة الرفع، ولا سبيلَ إلى ذلك لتواترها.
وقد انفصل المبردُ عن هذا الإِشكالِ الذي أورده أبو عبيد بأن النهيَ في اللفظ ل أحد وهو في المعنى للوط عليه السلام، إذ التقدير: لا تَدَعْ منهم أحدًا يلتفت، كقولك لخادمك: لا يَقُمْ أحدٌ النهيُ لأحد، وهو في المعنى للخادم، إذ المعنى: لا تَدَعْ أحدًا يقوم.
قلت: فآل الجواب إلى أنَّ المعنى: لا تَدَعْ أحدًا يلتفت إلا امرأتك فَدَعْها تلتفت، هذا مقتضى الاستثناء كقولك: لا تَدَعْ أحدًا يقوم إلا زيدًا، معناه: فَدَعْه يقوم. وفيه نظر؛ إذ المحذور الذي قد فرَّ منه أبو عبيد موجودٌ هو أو قريب منه هنا.
والثاني: أن الرفعَ على الاستثناءِ المنقطع، والقائلُ بهذا جعل قراءةَ النصبِ أيضًا من الاستثناء المنقطع، فالقراءتان عنده على حَدٍّ سواء، ولنسْرُدْ كلامه لنعرفَه فقال: الذي يظهر أن الاستثناء على كلتا القراءتين منقطع، لم يُقْصَدْ به إخراجُها من المأمور بالإِسراء معهم، ولا من المنهيين عن الالتفاتِ، ولكن استؤنف الإِخبار عنها، فالمعنى: لكن امرأتَك يَجْري لها كذا وكذا، ويؤيد هذا المعنى أن مثلَ هذه الآية جاءت في سورة الحجر، وليس فيها استثناءٌ البتةَ، قال تعالى: {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ} الآية. فلم تقع العنايةُ في ذلك إلا بذكر مَنْ أنجاهم اللَّه تعالى، فجاء شرح حالِ امرأتِه في سورة هود تبعًا لا مقصودًا بالإِخراج مما تقدم، وإذا اتضح هذا المعنى عُلم أن القراءتين وردتا على ما تقتضيه العربية في الاستثناء المنقطع، وفيه النصب والرفع، فالنصب لغة أهل الحجاز وعليه الأكثر، والرفع لغة تميم وعليه اثنان من القراء. قال الشيخ: وهذا الذي طوَّل به لا تحقيقَ فيه، فإنه إذا لم يُقْصَدْ إخراجُها من المأمور بالإِسراء بهم ولا من المَنْهِيِّين عن الالتفاتِ، وجُعل استثناءً منقطعًا، كان من المنقطع الذي لم يتوجَّهْ عليه العاملُ بحال، وهذا النوع يجب فيه النصبُ على كلتا اللغتين، وإنما تكون اللغتان في ما جاز توجُّهُ العاملِ عليه، وفي كلا النوعين يكون ما بعد إلا من غير الجنس المستثنى، فكونُه جازَ في اللغتان دليل على أنه يمكن أن يتوجَّه عليه العامل، وهو قد فرض أنه لم يُقْصَدْ بالاستثناء إخراجُها من المأمور بالإِسراء بهم ولا من المنهيين عن الالتفات، فكان يجب فيه إذ ذاك النصبُ قولًا واحدًا.
[قلت: القائل بذلك هو الشيخ شهاب الدين أبو شامة]. وأمَّا قولُه: إنه لم يتوجَّهْ عليه العامل ليس بمسلَّم، بل يتوجَّه عليه في الجملة، والذي قاله النحاة ممَّا لم يتوجَّهْ عليه العاملُ من حيث المعنى نحو: ما زاد إلا ما نقص، وما نفع إلا ما ضر، وهذا ليس مِنْ ذاك، فكيف يُعْترض به على أبي شامة؟.
وأمَّا النصبُ ففيه ثلاثة أوجه، أحدها: أنه مستثنى مِنْ بأهلك، واستَشْكلوا عليه إشكالًا من حيث المعنى: وهو أنه يلزم ألاَّ يكونَ سَرَى بها، لكن الفرضِ أنه سرى بها، يدلُّ عليه أنها التفتَتْ، ولو لم تكن معهم لمَا حَسُن الإِخبار عنها بالالتفات، فالالتفاتُ يدلُّ على كونها سَرَتْ معهم قطعًا.
وقد أُجيب عنه بأنه لم يَسْرِ هو بها، ولكن لمَّا سَرَى هو وبنتاه تَبِعَتْهم فالتفتت، ويؤيِّد أنه استثناء من الأهل ما قرأ به عبد اللَّه وسقط مِنْ مصحفه فَأَسْر بأهلك بقطع من الليل إلا امرأتك ولم يذكر قوله: {وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ}.
والثاني: أنه مستثنى مِنْ {أحد} وإن كان الأحسنُ الرفعَ إلا أنه جاء كقراءة ابن عامر: {مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ} [النساء: 66] بالنصبِ مع تقدُّم النفي الصريح. وقد تقدَّم لك هناك تخريجٌ آخرُ لا يمكن ههنا.
والثالث: أنه مستثنى منقطعٌ على ما قدَّمْتُه عن أبي شامة. وقال الزمخشري: وفي إخراجها مع أهله روايتان، روي أنه أخرجها معهم، وأُمِرَ أَنْ لا يلتفتَ منهم أحد إلا هي، فلما سَمِعَتْ هِدَّة العذاب التفتَتْ وقالت: يا قوماه، فأدركها حجرٌ فقتلها، ورُوي أنه أُمِر بأن يُخَلِّفَها مع قومها فإنَّ هواها إليهم ولم يَسْرِ بها، واختلاف القراءتين لاختلاف الروايتين.
قال الشيخ: وهذا وهمٌ فاحشٌ، إذ بنى القراءتين على اختلاف الروايتين مِنْ أنه سرى بها أو لم يَسْرِ بها، وهذا تكاذُبٌ في الإِخبار، يستحيل أن تكن القراءتان وهما مِنْ كلام اللَّه تعالى يترتبان على التكاذب. قلت: وحاشَ للَّه أن تترتب القراءتان على التكاذُب، ولكن ما قاله الزمخشري صحيحٌ، الفرض أنه قد جاء في التفسير القولان، ولا يَلْزم من ذلك التكاذبُ، لأنَّ مَنْ قال إنه سرى بها يعني أنها سَرَتْ هي بنفسها مصاحِبةً لهم في أوائل الأمر، ثم أخذها العذاب فانقطع سُراها، ومن قال إنه لم يَسْرِ بها، أي: لم يَأْمرها ولم يأخذها وأنه لم يَدُم سُراها معهم بل انقطع فَصَحَّ أن يقال: إنه سَرَى بها ولم يَسْرِ بها، وقد أجاب الناسُ بهذا وهو حسنٌ.
وقال الشيخ أبو شامة: ووقع لي في تصحيح ما أعربه النحاةُ معنى حسنٌ، وذلك أن يكون في الكلام اختصارَ نَبَّهَ عليه اختلافُ القراءتين فكأنه قيل: فَأَسْرِ بأهلِك إلا امرأتك، وكذا روى أبو عبيدة وغيره أنها في مصحف عبد اللَّه هكذا، وليس فيها: {وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ} فهذا دليلٌ على استثنائها مِن السُّرى بهم، ثم كأنه قال سبحانه: فإن خرجَتْ معكم وتَبِعَتْكم غيرَ أن تكونَ أنت سَرَيْتَ بها فانْهَ أهلك عن الالتفات غيرَها، فإنها ستلتفت فيُصيبها ما أصاب قومها، فكانت قراءةُ النصب دالَّةً على المعنى المتقدم، وقراءةُ الرفع دالَّةً على المعنى المتأخر، ومجموعُهما دالٌّ على جملة المعنى المشروح وهو كلامٌ حسنُ شاهدٌ لِما ذكرته.
قوله: {إِنَّهُ مُصِيبُهَا} الضميرُ ضمير الشأن، و{مُصيبها} خبرٌ مقدم، و{ما أصابهم} مبتدأ مؤخر وهو موصولٌ بمعنى الذي، والجملة خبرُ إنَّ؛ لأن ضمير الشأن يُفَسَّر بجملةٍ مُصَرَّحٍ بجزْأَيْها.
وأعرب الشيخ {مُصيبها} مبتدأً، و{ما أصابهم} الخبر، وفيه نظرٌ من حيث الصناعة: فإن الموصولَ معرفة، فينبغي أن يكونَ المبتدأ و{مُصيبها} نكرةً لأنَّه عامل تقديرًا فإضافتُه غيرُ محضةٍ، ومن حيث المعنى: إنَّ المراد الإِخبار عن الذي أصابهم أنه مُصِيبها من غيرِ عكسٍ، ويجوز عند الكوفيين أن يكونَ {مصيبُها} مبتدأً، و«ما» الموصولةُ فاعلٌ لأنهم يُجيزون أن يُفَسَّر ضميرُ الشأنِ بمفرد عاملٍ فيما بعده نحو: إنه قائمٌ أبواك.
قوله: {إِنَّ مَوْعِدَهُمُ}، أي: موعد هلاكهم. وقرأ عيسى بن عمر {الصبح} بضمتين فقيل: لغتان، وقيل: بل هي إتباعٌ، وقد تقدَّم البحثُ في ذلك.
{فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82)} قوله تعالى: {عَالِيَهَا سَافِلَهَا}: مفعولا الجعل الذي بمعنى التصيير، و{سِجِّيل} قيل: هو في الأصل مركَّب من: سكر كل وهو بالفارسية حجر وطين فعُرِّب وغُيِّرت حروفهُ. وقيل: سِجِّيل اسمٌ للسماء وهو ضعيف أو غلط؛ لوصفه بمَنْضود. وقيل: مِنْ أَسْجَلَ، أي: أرسل فيكون فِعِّيلًا، وقيل: هو مِن التسجيل، والمعنى: أنه مِمَّا كتب اللَّهُ وأَسْجل أن يُعَذَّب به قوم لوط، وينصرُ الأولَ تفسيرُ ابن عباس أنه حجرٌ وطين كالآجرّ المطبوخ، وعن أبي عبيد هو الحجر الصُّلْب. و{منضود} صفةٌ لسِجِّيل. والنَّضْدُ: جَعْلُ الشيءِ بعضَه فوقَ بعضٍ، ومنه: {وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ} [الواقعة: 29]، أي: متراكب، والمرادُ وصفُ الحجارة بالكثرة.
{مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83)}
و{مُسَوَّمة} نعتٌ لحجارة، وحينئذ يلزمُ تقدُّمُ الوَصْفِ غير الصريح على الصريح لأنَّ {مِنْ سجيل} صفةٌ لحجارة، والأَوْلى أن يُجْعل حالًا من حجارة، وسوَّغ مجيئَها مِن النكرة تخصُّصُ النكرة بالوصف. والتَّسْويم. العلامَةُ. قيل: عُلِّم على كلِّ حجرٍ اسمُ مَنْ يرمى به، وتقدَّم اشتقاقُه في آل عمران. و{عند}: إمَّا منصوبٌ ب {مُسَوَّمة}، وإمَّا بمحذوفٍ على أنها صفة ل {مُسَوَّمة}.
قوله: {وَمَا هِيَ} الظاهرُ عَوْدُ هذا الضمير على القرى المُهْلَكة. وقيل: يعودُ على الحجارة وهي أقربُ مذكور. وقيل: يعودُ على العقوبة المفهومة من السياق. ولم يُؤَنِّث {ببعيد}: إمَّا لأنه في الأصلِ نعتٌ لمكانٍ محذوف تقديره: وما هي بمكان بعيدٍ بل هو قريبٌ، والمرادُ به السماء أو القرى المهلَكة، وإمَّا لأن العقوبةَ والعقابَ واحد، وإمَّا لتأويل الحجارة بعذاب أو بشيءٍ بعيد. اهـ.